راحلة في مطر العشق

راحلة في مطر العشق



تجلس بقرب النافذه ترقب قطرات المطر تدق الزجاج في حنان أزلي

فنجان قهوتها السوداء التي إعتادت شربها منذ رحل
مُرةً باردة ..
المساء بارد ..
يداها باردتان ..
تنظر من بعيد حلوله الذي لايأتي ...
تتلهف لضحكته التي تفتقدها زوايا البيت الكئيبة..
منذ أدار ظهرة للفضاء وغادر..
لم تعد تسمع عنه أي شيء ..
تريد أن ترفع سماعة الهاتف وتصرخ فيها وتصرخ فيها..
أين أنت؟
أين مدارك ؟
أين تغرب ؟وأين تشرق؟
يا كُلَ أمسي ، وأيامي ،وأفلاكي..

تمتزج رائحة عطرها برائحة المطر حين يعانق الأرض
ورائحة قهوة .. في مزيج من الحنين و الدفء
تعرف كم يحب رائحة هذا العطر ..
تعرف كم يحب أن يعانق أنفه أريج خصلات شعرها ..
تعرف أيضاً عشقه لدفء لون عينيها..
آه.. لقد قاست كثيراً أيامها ..
من عسف الكتب وغبارالطباشير وضجيج
الفصول ..
تكره الإقامة الجبرية عند الموقد وبين الكتب الثقيلة الظل..
وتكرة تسلط المحيط وجور الوقت والناس..

يخال أما ناظرها طيف يشبهه يركض في الشارع
هروباً من المطر ، يلتحف معطفة الأسود وجريدته
التي إبتلت أطرافها ، تذكرت صحيفته التي تركها على
الأريكة تحمل تاريخاً بعيداً ، لاتزال تحتفظ بها
لأن صفحاتها تحفظ بصماتها وأنفاسه!
أدراجها حبلى بأشيائه بصوره ، بهداياه التي
لم تتمسسها أبداً ، لقدسيتها.
بكتبه و أوراقه ، بحروفه التي يدونها على دفاترها.

صوت السياب يطاردها:
أتعلمين أي حزن يبعث المطر
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع.
نعم ضياع ،، نعم ضياع ..
تهز رأسها وتسنده إلى الطاولة ..
آهٍ لو تحمل إحدى قطرات هذا المطر
ظله ، لو تعيده؟ لو ترمي بخياله في هذا
الشارع المقفر ؟
تخربش على الطاولة بحروفٍ مبعثرة:
م...ط...ر .
أيها الغائب بعيد .. أمسي ....
ن ، م ، أ...

مالذي يحصل حين تحب ولا تقوى على الصراخ؟
مالذي يحصل حينما يرحل من تحب في مهب الريح؟
مالذي يحصل حينما لا يستوعبك العالم ؟
مالذي يحصل حين يتنقل الوجع في كل جسدك
ولا تقوى على إيقافه..

أسى ،،، أسى ،،،
ترفع القلم وترقب النافذه من جديد ..
تتنهد في حرقة الصمت البعيد ..
تشاهد أمها تجلس في الركن المعتم
بجوار المدفأة ..
تقرأ الجريدة ...
كم أنتِ بعيدةٌ يا أماه ..
كم انا بعيدةٌ ..
لا نلتقي إلا عند إفعلي ،، إتركي !!
لا أقول لكِ ما يعتمر وما يصهل بصدري..
لا أقول لكِ أني أمسك الخيط الأخير من أنفاسي
طبيبكم الخبير صارحني مرةً
أني ربما عن قريب سأحجز تذكرةً
بلا عودة
بلا عودة
فهل علمتي أن زهرتك ستنام يوماً للأبد ؟
لا أعلم يوما ً أن الزهر يتنكر لعبيره!
هأنا وحيدة هنا ..
أعد قطرات المطر ،، أشفق على فنجاني الغارق
في سواده .. أشفق عليكِ
على أبي الراحل ..
على إخوتي ..
على أقربائي ..

تجلس وتجلس وتجلس...
والمطر يهطل ..
والفنجان بارد..
والأوراق مبعثرة..
والعابر يأبى الرجوع ..
وكراسي فارغة ..
والمدفأة خبت نارها ...
والعطر الفواح نام على كف الذبول
لأنها ببساطةً ..
آثرت الرحيل إلى شرفات الأبدية
أطلقت زفرتها
في آخر قطرة للمطر
ورحلت ..
نامت بجوار النافذة
نومة بلا أحلام وبلا يقظة ..
عيناها شاخصتان إلى البعيد ...
والمطر يهطل ..
من جديد..



::هذه الورقة أخذت من مذكراتها ::