رشا فرحات أنا من النساء المطالبات بتحرير المرأة وتحريرها يعني العلم والثقافة والحق في اختيار الزوج والعمل وما إلى ذلك من حقوق هي طبعاً ذات الحقوق التي تدعو إليها جميع المؤسسات النسوية في الظاهر، ولكن ما خفي هو أخطر فعلا ...فالمتأمل في نموذج المرأة الفلسطينية المتحضرة العصرية التي تنادي بحرية المرأة ومحاربة العنف الممارس ضدها، يجدها على صفات مشتركة تجمع الغالبية منهن ولا أقول كلهن, فأنا لا أريد أن اظلم النساء الفلسطينيات،المناهضات لكل أشكال العنف الممارس ضد المرأة، والتي افتخر بأنني واحدة منهن، ولكني أرى هذه الصورة على نموذج واسع في المجتمع النسوي, ففي اجتماع لأحد المؤسسات مع الكوادر النسوية في قطاع غزة، طرحت إحدى السيدات ممن يدرن إحدى المؤسسات النسوية الكبرى في القطاع في ذلك الاجتماع استنكاراً على درجة بالغة من الأهمية، حيث قالت 'حينما ترسل الست أم محمد فرحات -عضو بالمجلس التشريعي السابق عن حركة حماس- دعوة لاجتماع نسوي، تحضره مئات النساء، وفي المقابل إذا قدّمت إحدى المؤسسات النسوية دعوة لحضور ورشة عمل أو دورة تدريبية لنفس العينة من النساء، لا يحضر منهن إلا القليل'. فربما هذه السيدة لا تدري ما السر في ذلك، فالنساء اللواتي يحضرن هذه الاجتماعات يتأثرن بالدرجة الأولى في المرأة المحجبة الملتزمة التي تتحدث بدلائل القرآن الكريم والسنة النبوية، وليست تلك التي تحمل السيجارة في يدها، وتحرك شعرها يميناً ويساراً وترتدي البنطلون الجينز، وتأتيهم بلباس وأسلوب مختلف كل الاختلاف عن واقعهن المتحفظ، وكأنها تتحدث بثقافة مجتمع 'استوكهلم' من وراء زجاج, بلغة أخرى هي حقاً لغة غريبة عن تلك النسوة، وقد يتسبب دخول إحداهن في دوامة جديدة من العنف الأسري بسبب حضورها لاجتماع هذه المتحررة ذات السيجارة والبنطلون الجينز ..وهذه للأسف هي المعاير التي أصبحت ترتكز عليها معظم المؤسسات النسوية مؤخراً في التوظيف والتعامل والحكم على ثقافة وتحضر المرأة، فالمرأة الفلسطينية البسيطة التي تفلح يومياً مع زوجها في الأرض أو التي تنتزع شهادة الثانوية العامة أو البكالوريوس، هذا إذا كانت محظوظة, من أنياب العادات والتقاليد القاتلة في مجتمعنا، لم يصل في معظمها حد التطور –الذي تدّعيه المؤسسات النسوية- إلى السيجارة والبنطلون الجينز، وهي المعايير التي ارتأيتها واضحة كل الوضوح في اختيار مراكز ومؤسسات شئون المرأة للموظفات لديها، فقد ثار فزعي عندما رأيت موظفة حديثة في احد المجلات التابعة لهذه المراكز قد عينت كرئيسة تحرير دون شهادة أو خبرة في مجال الصحافة والإعلام، وقد تم تعينها دون امتحان قبول لها أو لغيرها ممن تقدمن إلى نفس الوظيفة وممن يحملن شهادات متخصصة أكثر دقة وخبرة، ثم تصبح هي المسئولة فجأة عن صحفيات متمرسات في العمل الصحفي ذوات شهادات وخبرة قوية في المجال وممن امتهن مهنة الصحافة منذ أكثر من عشر سنوات, لمعيار واحد فقط على ما أرى... 'فإذا نسين هؤلاء النسوة أنهن من مجتمع عربي مسلم في الدرجة الأولى فإنهن لن يستطعن تقديم شيء للمرأة الفلسطينية البسيطة التي تبحث عن السترة ولقمة العيش والبساطة، وإذا كانت الحرية في المظهر كما تدعي المؤسسات النسوية فلماذا لا يحترم مظهر المرأة المحجبة ولماذا لا تعطى فرصة أكبر كغيرها من – المتحررات – أو لماذا لا تعتبر هي حرة إذا أردن تسمية اختيار الملبس والمظهر 'حرية ' ؟!! ..وكيف ستقدم هذه المراكز والمؤسسات شيئاً للمرأة المعنفة إذا كانت تمارس عنفاً من نوع آخر على فتيات شعرن يوماً أنهن جزء من هذه المنظومة النسوية وسفيرات لتطبيق الحرية ومناهضة العنف؟ ولكن ..يبقى نموذج المرأة الفلسطينية العاملة الكادحة الأم والحرة قبل كل شيء هي صوت ينادي بالحرية، فلا تعتقلونا داخل مظهر، إذا كنتم تدعون الحرية، فبرغم أنكم قد حققتم أموالا طائلة من خلال المشاريع التي تخافون عليها ورواتبكم العالية ومؤسساتكم التي تدعي حقوق المرأة شكليا ولكنها في الحقيقة تروج لأهداف استعمارية تأبى أن تدفع دولاراً واحداً في أي مشروع نسوي دون أن ترى في المقابل عشر نساء قد خلعن الحجاب إكراماً لهذا الدولار، سعياً إلى هدم واقع المرأة وحريتها ..وإلا كيف تفسرون لي ازدياد القتل والتعنيف ضد المرأة برغم ارتفاع رواتبكم وازدياد أعدادكم على الساحة ...فأين هي الانجازات التي قدمتموها، وأين هو النموذج المشرف للمرأة المحررة المتحضرة في نظركم ..أنا أرى أن واقع المرأة قد بات سيئا وما زال يزداد سوءا ..فكيف ستثبتون لنا أن الحرية ليست مجرد سيجارة وبنطلون جينز ..